هذه الوحدة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين
الإطار القانوني الدولي: بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال
يعد بروتوكول مكافحة الاتجار بالأشخاص، المكمّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، الصكّ القانوني الأساسي بشأن الاتجار بالأشخاص. اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بروتوكول مكافحة الاتجار بالأشخاص بموجب القرار رقم 55/25 المؤرخ في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2000، وبدء نفاذ البروتوكول بتاريخ 25 كانون الأول/ديسمبر 2003.
ويحتوي البروتوكول على ديباجة و30 مادة. تقر الديباجة بأنه "على الرغم من وجود مجموعة متنوّعة من الصكوك الدولية المشتملة على قواعد وتدابير عملية لمكافحة استغلال الأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، لا يوجد صك عالمي يتناول جميع جوانب الاتجار بالأشخاص". وتقر كذلك الديباجة بأن "اتخاذ إجراءات فعّالة لمنع ومكافحة الاتجار بالأشخاص، سيما النساء والأطفال، يتطلب نهجًا دوليًا شاملاً في بلدان المنشأ والعبور والمقصد، يشمل تدابير لمنع ذلك الاتجار ومعاقبة المُتجرين وحماية ضحايا ذلك الاتجار بوسائل منها حماية حقوقهم الإنسانية المعترف بها دوليًا".
تنص المادة 2 على أغراض البروتوكول:
- منع ومكافحة الاتجار بالأشخاص، مع إيلاء اهتمام خاص للنساء والأطفال؛
- حماية ضحايا ذلك الاتجار ومساعدتهم، مع احترام كامل لحقوقهم الإنسانية؛
- تعزيز التعاون بين الدول الأطراف على تحقيق تلك الأهداف.
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية
يكمِّل بروتوكول مكافحة الاتجار بالأشخاص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (انظر الوحدة التعليمية 1 بشأن تعاريف الجريمة المنظمة). وبناءً على ذلك، كما هو مذكور في المادة 1 من البروتوكول، يجب تفسير كلتا الوثيقتين وتطبيقهما معًا. وتتعلق الأحكام التالية من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية بتطبيق البروتوكول مباشرةً:
- تجريم غسل عائدات الجرائم (المادتان 6 و7)؛
- تجريم الفساد (المادتان 8 و9)؛
- مسؤولية الهيئات الاعتبارية (المادة 10)؛
- مصادرة وضبط والتصرف في عائدات الجرائم (المادتان 12 و14)؛
- تسليم المجرّمين (المادة 16)؛
- المساعدة القانونية المتبادلة (المادة 18)؛
- حماية الشهود (المادة 24)؛
- التعاون في مجال إنفاذ القانون (المادة 27).
الشكل 6: المواد المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لا سيما المتعلقة بالاتجار بالأشخاص
المصدر: أحكام قانونية عامة لمكافحة الاتجار بالأشخاص من منظور دولي مقارن (2006)، مشروع الحماية، الصفحة 25
توضح الحالة المبينة في الإطار 2 أدناه دور الفساد في حالة الاتجار لغرض الاستغلال الجنسي.
الإطار 2
الاتجار والفساد – قصة م.
م. هي فتاة من مولدوفا مُتجَر بها إلى منطقة البلقان حيث جرى استغلالها جنسيًا واحتجازها في دار بغاء حتى أنقذتها فرقة العمل المعنية بالاتجار بالأشخاص التي تعمل بمساعدة المجتمع الدولي. من المزعوم أن الفساد يسَّر الاتجار بــ م. بثلاث طرائق مختلفة.
أولًا، من المزعوم أن المُتجرين حصلوا على جوازات سفر فارغة عن طريق الفساد من أحد بلدان البلقان المجاورة واستخدموها لتنقيل م. إلى المكان الذي تمَّ استغلالها جنسيًا فيه.
ثانيًا، على الرغم من تعبئة جوازات السفر بطريقة غير صحيحة وغير مناسبة بوضوح، حيث احتوت على أختام رسمية خاطئة وأخطاء فادحة أخرى، بالإضافة إلى عدم تحدث م. أي لغة محلية في مكان استغلالها؛ عبرت م. العديد من المعابر الحدودية دون أسئلة مع الزعم بتيسير عبورها عن طريق الفساد.
ثالثًا، كانت دار البغاء، حيث جرى استغلال م.، أمام قسم الشرطة. لم يُتَخَذ أي إجراء للتحقيق حيث أن بعض ضباط الشرطة كانوا يحصلون على خدمات جنسية من م. وضحايا آخرين للاتجار.
وتحررت م. بناءً على إجراء تحقيق على المستوى الوطني بدعم دولي دون مشاركة السلطات المحلية.
مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، دور الفساد في الاتجار بالأشخاص: ورقة مناقشة (2011)
صكوك قانونية دولية أخرى تتعلق بالاتجار بالأشخاص
قبل اعتماد بروتوكول مكافحة الاتجار بالأشخاص في عام 2000، تناولت اتفاقيات وإعلانات دولية أخرى بعض جوانب الاتجار. ولا يزال العديد من تلك الاتفاقيات والإعلانات متعلقًا بالاتجار حتى يومنا هذا، إذ تساعد على إرساء استجابة شاملة للاتجار بالأشخاص وتُكمِّل متطلبات البروتوكول وتضيف إليها. يستعرض الإطار 3 أدناه تلك الاتفاقيات والإعلانات.
الإطار 3
الاتفاقيات والإعلانات الدولية التي تناولت جرائم مشابهة للاتجار بالأشخاص
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، الذي ينص في المادة 4 على أنه "لا يجوز استرقاقُ أحد أو استعبادُه، ويُحظر الرِّق والاتجار بالرِّقيق بجميع صورهما".
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، الذي ينص في المادة 8 على أنه "1- لا يجوز استرقاق أحد، ويحظر الرِّق والاتجار بالرِّقيق بجميع صورهما. 2- لا يجوز إخضاع أحد للعبودية. 3- لا يجوز إكراه أحد على السخرة أو العمل الإلزامي".
- الاتفاقية الخاصة بالرِّق لعام 1926، التي تنص في المادة 2 على أن الأطراف اتفقت على "منع الاتجار بالرِّقيق والمعاقبة عليه" "وبالعمل، تدريجيًا وبالسرعة الممكنة، على القضاء كليًا على الرِّق بجميع صوره".
- الاتفاقية التكميلية لإبطال الرِّق وتجارة الرِّقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرِّق لعام 1956، التي تنص في المادة 3 (1) على ما يلي: "يشكل نقل الرِّقيق من بلد إلى آخر بأية وسيلة، أو محاولة هذا النقل أو الاشتراك فيه، جرمًا جنائيًا في نظر قوانين الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، ويتعرض الأشخاص الذين يدانون بهذه الجريمة لعقوبات شديدة جدًا".
- اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير لعام 1949. تنص ديباجة هذه الاتفاقية على أن "لما كانت الدعارة، وما يصاحبها من آفة الاتجار بالأشخاص لأغراض الدعارة، تتنافى مع كرامة الشخص البشري وقدره، وتعرض للخطر رفاه الفرد والأسرة والجماعة". وتنص المادة 17 من الاتفاقية على التزام الدول الأطراف "بأن يتخذوا أو يواصلوا، بصدد الهجرة من بلدانهم والمهاجرة إليها، وفي ضوء التزاماتهم بمقتضى هذه الاتفاقية، ما يتوجب من تدابير لمكافحة الاتجار بالأشخاص من الجنسين لأغراض الدعارة".
- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979، التي تطلب في المادة 6 أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع، لمكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلال دعارة المرأة".
- إعلان القضاء على العنف ضد المرأة لعام 1993، الذي يُعرِّف "العنف ضد المرأة" ليشمل "الاغتصاب والتعدي الجنسي والمضايقة الجنسية والتخويف في مكان العمل وفي المؤسسات التعليمية وأي مكان آخر، والاتجار بالنساء وإجبارهن على البغاء".
- اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، التي تنص على أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم لأي غرض من الأغراض أو بأي شكل من الأشكال".
- البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية لعام 2000. ينص البروتوكول الاختياري في المادة 10 على أن "تتخذ الدول الأطراف كل الخطوات اللازمة لتقوية التعاون الدولي عن طريق الترتيبات الثنائية والمتعددة الأطراف والإقليمية لمنع وكشف وتحري ومقاضاة ومعاقبة الجهات المسؤولة عن أفعال تنطوي على بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية والسياحة الجنسية".
- البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة لعام 2000. يستلزم البروتوكول الاختياري من الدول الأطراف ضمان "عدم خضوع الأشخاص الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر للتجنيد الإجباري في قواتها المسلحة".
- اتفاقية لاهاي بشأن حماية الأطفال والتعاون في مجال التبني على الصعيد الدولي لعام 1993. تنص المادة 32 من اتفاقية لاهاي على أنه "لا يحق لأي كان أن يجني أرباح مادية أو أي منافع أو يحصل على مكافآت لقاء أي نشاط يتعلق بالتبني على الصعيد الدولي".
- اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال لعام 1999، التي تنص في المادة 3 على "كافة أشكال الرِّق أو الممارسات الشبيهة بالرِّق، كبيع الأطفال والاتجار بهم".
- الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لعام 1990، التي تنص في المادة 11 على أن "لا يعّرض العامل المهاجر أو أي فرد من أسرته للاسترقاق أو الاستعباد... (أو) لا يلزم العامل المهاجر أو أي فرد من أسرته بالعمل سخرة أو قسرا".
- نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، الذي يُعرِّف "الجرائم ضد الإنسانية" ليشمل "الاسترقاق" الذي يعني "ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية، أو هذه السلطات جميعها، على شخص ما، بما في ذلك ممارسة هذه السلطات في سبيل الاتجار بالأشخاص، ولا سيما النساء والأطفال".
ومع ذلك، قد تختلف تلك الصكوك الدولية عن بروتوكول مكافحة الاتجار بالأشخاص على النحو التالي:
- لم يُعرِّف أي صكٍّ جريمة الاتجار بالأشخاص، إذ كان البروتوكول هو أو صكٌّ دولي يُعرِّف تلك الجريمة.
- تناولت العديد من تلك الصكوك الاتجار لغرض الاستغلال الجنسي دون الأشكال الأخرى للاتجار. ويغطي البروتوكول الأشكال المختلفة للاتجار وليس فقط الاتجار بالأشخاص لأغراض الاستغلال الجنسي.
- في حين أكد العديد من تلك الصكوك منع الاسترقاق، نقل البروتوكول التركيز من المفهوم المحدود للاسترقاق إلى الأشكال الأكثر دقة للسيطرة والفهم الأوسع لأنواع الاستغلال.
- ركزت تلك الاتفاقيات والإعلانات على المنع مع دعوة الدول إلى منع فعل الاتجار. تبنى البروتوكول نهجًا شاملاً لمكافحة الجريمة. وتنص المادة 2 تحديدًا على حماية الحقوق الإنسانية للضحايا وتدعو لاستجابة متكاملة، بما يشمل التعاون الدولي القوي، بالإضافة إلى المنع.
أثر بروتوكول مكافحة الاتجار بالأشخاص على التشريعات الوطنية
تُلزِم المادة 34 (1) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية الدول الأطراف باتخاذ ما يلزم من تدابير (بما في ذلك التدابير التشريعية والإدارية) لضمان تنفيذ التزاماتها بمقتضى هذه الاتفاقية، كما تُلزِم المادة 34 (2) الدول الأطراف بتجريم الأفعال المجرّمة وفقًا للمواد 5 و6 و8 و23 من هذه الاتفاقية في القانون الداخلي لكل دولة طرف بصرف النظر عن طابعها عبر الوطني أو عن ضلوع جماعة إجرامية منظّمة فيها.
تنص المادة 4 من البروتوكول على أن "ينطبق هذا البروتوكول، باستثناء ما ينص عليه خلافًا لذلك، على منع الأفعال المجرّمة وفقًا للمادة 6 من هذا البروتوكول، والتحري عنها وملاحقة مرتكبيها، حيثما تكون تلك الجرائم ذات طابع عبر وطني وتكون ضالعة فيها جماعة إجرامية منظّمة، وكذلك حماية ضحايا تلك الجرائم".
تبنت بلدان كثيرة تعريف الاتجار الوارد في البروتوكول في قوانينها الوطنية على نطاق واسع. مع ذلك، ظهرت بعض الصعوبات في تفسير جوانب التعريف (على سبيل المثال، التداخل بين استخدام "الوسائل" المحظورة وموافقة الضحية كدفاع محتمل، وماذا يُقصَد بمصطلحي "لغرض الاستغلال" "واستغلال وضعية الاستضعاف"). ويلزم على الدول إيلاء الأولوية لتناول تلك المشكلات وحلّها في تشريعاتها والسوابق القضائية لأنه يترتب على وصف تصرف محدد بأنه اتجار عواقب مهمة لكلٍ من الجناة والضحايا. وتدعم بعض البلدان التفسير المتحفظ أو المقيد لمفهوم الاتجار في حين تدافع بعض البلدان الأخرى عن التوسع في مفهوم الاتجار. وأبدت المجموعة الأولى قلقًا من أن وجود تعريف فضفاض قد يؤدي إلى إدراج ممارسات لا تستوفي حدَّ الجرم الخطير "للاتجار بالأشخاص"، في حين ترى المجموعة الثانية أن التعريف المحدود للغاية قد يَحُول دون التحقيق والمقاضاة والإدانة فيما يتعلق بالممارسات التي ينبغي أن تندرج بالفعل في تعريف الاتجار أو قد تستثنيها جميعًا (مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، 2014).
الصكوك القانونية الإقليمية بشأن الاتجار بالأشخاص
بالإضافة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكول مكافحة الاتجار بالأشخاص والتشريعات الوطنية، جرى إعداد عدد قليل من المبادرات الإقليمية لمواجهة الاتجار. فعلى سبيل المثال، اعتمد مجلس أوروبا اتفاقية مجلس أوروبا لمكافحة الاتجار بالبشر في عام 2005. وتتناول المادة 39 العلاقة بين هذه الاتفاقية والبروتوكول، إذ تنصُّ على أن الاتفاقية لا تؤثر بحقوق الدول والتزاماتها بموجب البروتوكول ولكن تهدف إلى تعزيز الحماية التي يوفرها البروتوكول وتطوير المعايير التي ينص عليها. وتوفر اتفاقية رابطة أمم جنوب شرق آسيا لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال لعام 2015 واتفاقية رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي المتعلقة بمنع ومكافحة الاتجار بالنساء والأطفال لأغراض البغاء لعام 2002 الإطار القانوني الإقليمي في آسيا.
وفي الأقاليم التي لا يوجد بها صكوك قانونية إقليمية محددة بشأن الاتجار بالأشخاص، يجوز الرجوع إلى وثائق أخرى. في المنطقة العربية، اُعتمِدَ كل من القانون العربي الاسترشادي لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر والاستراتيجية العربية الشاملة لمكافحة الاتجار بالبشر في عام 2012. وأما في أفريقيا، فجرى اعتماد عدة خطط عمل محددة زمنيًا خلال السنوات الأخيرة مثل خطة عمل واغادوغو لمكافحة الاتجار بالبشر، وبخاصة النساء والأطفال (2006) التي استهدفت منع ومكافحة الاتجار بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، أو خطة عمل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الايكواس) لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال (2002)، أو خطة العمل الاستراتيجية للجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال (2009).
المبادئ والمبادئ التوجيهية الدولية بشأن الاتجار بالأشخاص
تساعد مجموعة من المبادئ والمبادئ التوجيهية المتعارف عليها دوليًا -ولكن غير الملزمة- على تفسير البروتوكول وتوجه تنفيذ التدابير لمكافحة الاتجار وحماية الأشخاص المُتجَر بهم. وعلى سبيل المثال، في عام 2003، أصدرت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان المبادئ والمبادئ التوجيهية الموصى بها فيما يتعلق بحقوق الإنسان والاتجار بالأشخاص التي تدعو الدول إلى أن "تعتمد الدول ما يلزم من تدابير تشريعية وغيرها لتجريم الاتجار بالأشخاص وتجريم الأفعال المكوَّنة للاتجار بالأشخاص والتصرفات المرتبطة بها" وفقًا للقواعد المنصوص عليها في البروتوكول. وتنص المبادئ والمبادئ التوجيهية الموصى بها على: "عُرَّف عدم وجود تشريع محدد و/أو مناسب معني بالاتجار بالأشخاص على المستوي الوطني، بوصفه عائقًا رئيسيًا أمام مكافحة الاتجار بالأشخاص. وهناك حاجة ماسة لتحقيق الاتساق بين التعاريف والإجراءات القانونية، والتعاون على المستويين الوطني والإقليمي وفقًا للمعايير الدولية". وتوجد كذلك مجموعة من السياسات والمبادئ التوجيهية والأدلة الإرشادية التي نشرتها منظمات دولية مختلفة، بما في ذلك مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والمنظمة الدولية للهجرة، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، ومفوضيّة الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والمبادرات الإقليمية مثل عملية بالي بالإضافة إلى عدد من المنظمات غير الحكومية.
تعريف الاتجار بالأشخاص في البروتوكول
كما هو مُوضَّح أعلاه، تُعرِّف المادة 3 (أ) من بروتوكول مكافحة الاتجار بالأشخاص مصطلح الاتجار بالأشخاص على النحو التالي:
يُقصد بتعبير "الاتجار بالأشخاص" تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقّي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرًا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرِّق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء.
وعلى الرغم من إلزام المادة 5 من البروتوكول كل دولة بإصدار التشريع الوطني لتجريم التصرفات المذكورة في المادة 3، يجب ألا يتبع التشريع لغة تدوين البروتوكول الحرفية، بل ينبغي اعتماد ذلك التشريع وفقًا للنظام القانوني الوطني من أجل إنفاذ المفاهيم الواردة في البروتوكول.
الجوانب التالية للتعريف الوارد في المادة 3 جديرة بالتأكيد:
- لا يلزم تقديم الإثبات على ركن "الوسيلة" في حالات الاتجار بالأطفال (الأشخاص دون الثامنة عشرة من العمر طبقًا للمادة 3 (د)). وفي هذا السياق، تنص المادة 3 (ج) من بروتوكول مكافحة الاتجار بالأشخاص على ما يلي: "يُعتبر تجنيد طفل أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله لغرض الاستغلال "اتجارًا بالأشخاص"، حتى إذا لم ينطوِ على استعمال أي من الوسائل المبيّنة في الفقرة الفرعية (أ) من هذه المادة".
- الاتجار هو جريمة بقصد محدد، أي يلزم أن يتصرف المجرم لغرض الاستغلال.
- لا يعتبر الاتجار العابر الحدود الوطنية عبر الحدود الدولية أو ضلوع جماعة إجرامية منظمة ركن جريمة، ولكن لا يعني ذلك أن الجماعات الإجرامية المنظمة لا تضلع عادةً في الجريمة. ويتضمن الإطار 4 مثالاً على ذلك.
الإطار 4
الاتجار والإجرام المنظم – تحقيقات "Operation Golf"
بدأت تحقيقات "Operation Golf" في المملكة المتحدة خلال عام 2005 عندما شرع الضباط في تحري النمو الواضح للجرائم الصغيرة في وسط لندن مثل السرقة والنشل وجرائم الشارع. كشفت تلك التحقيقات عن نتيجة رئيسية؛ وهي أن أطفال الروما ارتكبوا الكثير من تلك الجرائم وهم بعمر السادسة. وفي المملكة المتحدة، لا يجوز مقاضاة أي طفل دون العاشرة من العمر. واكتشفت الشرطة أن أطفال الروما الذين يتجاوزون العاشرة من العمر يتظاهرون -عند القبض عليهم- بأنهم أصغر سنًا، وأنهم قدموا وثائق وأسماء مزورة. وعند إحضار الأطفال، لم يتمكن الضباط من التوصل إلى آبائهم من أجل الحضور واستلامهم. وبعد إلقاء القبض على 60% من الأطفال، لم يكن الشخص الذي حضر لتمثيلهم أحد أفراد العائلة. وترددت على مسامع الضباط اعتذارات على أساس أن الآباء لا يستطيعون تحدث اللغة الإنجليزية أو أنهم ذهبوا إلى رومانيا لحضور جنازة، أو غير ذلك. بدأت المملكة المتحدة العمل مع رومانيا للوقوف على المشكلة، في حين كان تحقيق مستمرًا بالفعل مع أكثر من 1000 طفل أُبعِدوا من مدينة واحدة في عامي 2005 و2006. وحدد الضباط الرومان بالفعل الأشخاص المسؤولين عن إبعاد هؤلاء الأطفال، إلا أنهم لم يتوصلوا إلى مكان الأطفال. كما جرى إعداد قائمة في رومانيا تضمنت 1.017 طفلاً مفقودًا وكُتِب عليها "أطفال جزعت رومانيا جراء الاتجار بهم". وبمجرد بدء المملكة المتحدة في تحقيقات إضافية في هذه المسألة، تبين لها في عام 2007 أنه تمَّ تسجيل 200 طفل من الأطفال المذكورين في تلك القائمة كمجرمين في المملكة المتحدة. وبناءً على هذا الاكتشاف، بدأت شرطة لندن التحقيق في احتمالية وقوع هؤلاء الأطفال ضحايا للاتجار. وجاءت نتائج التحقيقات مذهلة، إذ "تخلى" آباء الروما اليائسون عن أطفالهم بعدما عرض المجرمون عليهم أخذ أطفالهم إلى خارج البلاد. وأبلغ المجرمون الآباء أن الأطفال سوف يجنون أموال طائلة بالخارج ومن ثمَّ يرسلون تلك الأموال إليهم. ومن المحتمل أن المجرمين أبلغوا الآباء بأن الأطفال قد يتسولون أو يسرقون، إلا أن هذا الأمر لا يثير اعتراضات شديدة بالضرورة في ثقافة الروما. ومع ذلك، قد يضطر الآباء إلى الدفع إلى المجرمين لاصطحاب أطفالهم. وإلا أنهم لا يستطيعون القيام بذلك بوضوح، لذلك يخضعون لعبودية الدين بفوائد هائلة. وبعد فترة، قد يعود المجرمون إلى منزل الأب ويذكرون أن الطفل لم يحقق أموالاً كافية، ومن ثم يأخذون أطفال آخرين إلى خارج البلاد أيضًا ولكن ليس بالضرورة بصحبة أشقائهم. وقد يتفق المجرمون والآباء على قروض أخرى، وقد يعود المجرمون مرة أخرى حاملين نفس الرسالة حتى تصبح الأسرة بالكامل –بما في ذلك الآباء- خارج البلاد وتتحول إلى "أسرة مستعبدة" غير قادرة على سداد ديونها إلى المجرمين. وقد يتعرض جميع الأطفال إلى الفصل ويُجبَرون على التسول والسرقة وتسليم جميع أموالهم، في حين قد يُجبَر كبار السن على التسول والسرقة ورعاية العديد من الأطفال ممن بقى آباؤهم في رومانيا أو انتقلوا إلى مكانٍ آخر. وإضافةً إلى ما سبق، قد تيسر شبكات الجريمة المنظَّمة المطالبات الاحتيالية الخاصة بالمزايا الاجتماعية في المملكة المتحدة من أجل إضافة المتحصلات إلى ثرواتها. اكتشفت الشرطة أن المجرمين وراء تلك العمليات المدرّة للدخل اشتملوا على أعضاء من طائفة الروما وكان بعضهم جماعات منظمة مستقلة. وهذه الطوائف منظمة هرميًا، وذات انتساب أسري وطائفي، وتمتلك أرباب أسر يديرون الأمور من منازلهم الكبيرة في رومانيا. وتعمل الطوائف معًا أحيانًا إذا كان العمل يدرّ الأرباح وضروريًا، وتتزايد أعداد الجماعات ونطاقها لأن الأعمال تجري بصورة جيدة. وفي الأول من أيلول/ سبتمبر 2008، تشكَّل فريق تحقيق مشترك بين رومانيا والمملكة المتحدة بالإضافة إلى وحدة التعاون القضائي التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروجست) ومكتب الشرطة الأوروبي (اليوروبول) لمكافحة تلك الطوائف وإنقاذ الأطفال من الاستغلال.
مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، دراسة بشأن ضلوع شبكات الجريمة المنظَّمة في الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين: ورقة مناقشة (2010)
التالي: مسألة الموافقة
العودة إلى الأعلى