هذه النميطة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين
النـزاعات المسلحة
الحق في محاكمة عادلة هو حق أساسي بقدر متساو من حيث الأهمية، ومشمول بالحماية الفعالة كذلك في أوقات النـزاع المسلح بموجب القانون الإنساني الدولي. والمنطلق في هذا الصدد يتمثل في المادة المشتركة 3 (1) (د) من اتفاقيات جنيف لعام 1949؛ وهذه المادة تحظر إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلا قانونيا، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة. وإضافة إلى ذلك، توجد ضمانات دنيا أساسية منصوص عليها في المادة 75 (4) من البروتوكول الإضافي الأول (المتعلق بالنـزاعات المسلحة الدولية) وفي المادة 6 (2) من البروتوكول الإضافي الثاني (المتعلق بحماية ضحايا النـزاعات المسلحة غير الدولية).
أما بخصوص حالات إمكانية الخروج على سبيل الاستثناء عن ضمانات المحاكمة العادلة في أحوال النـزاعات المسلحة، فإن المنطلق في ذلك هو عدم جواز الخروج عن الأحكام ذات الصلة الواردة في اتفاقيات جنيف أو في البروتوكولات الإضافية الملحقة بها. والواقع أن إنكار الحق في المحاكمة العادلة يمكن أن يبلغ حد جريمة الحرب في بعض الظروف المعينة (A/63/223، الفقرة 12). ومع ذلك فقد تقع أحوال معينة حيث يجوز لدولة ما أن تخرج عن البنود الشرطية الخاصة بالمحاكمة العادلة الواردة في معاهدات حقوق الإنسان المقصودة أثناء النـزاعات المسلحة (محكمة العدل الدولية، 2004، الفقرة 106).
وفي أحوال النـزاع المسلح، فإن القانون الإنساني الدولي يضمن أيضاً الحق في المحاكمة العادلة وما يقترن به من التزامات (انظر مثلا قضية حمدان ضد رمسفيلد ( Hamdan v. Rumsfeld )، 2006). وعموماً، فإن الإرهابيين المشتبه فيهم يجب أن يُعاملوا بوصفهم مدنيين لأغراض محاكمتهم، ومن ثم يجب أن يكون ذلك محكوما بمبادئ ومعايير حقوق الإنسان الدولية المبينة في هذه النميطة التعليمية، والاستثناء في هذا الصدد هو حيث تكون الأفعال التي اتُّهم أولئك الأشخاص بارتكابها قد وقعت في سياق نـزاع مسلح عندما كانوا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية، أي مثلاً استخدام الطرائق الإرهابية المحظورة، وينبغي أن يكون ذلك محكوما بالقانون الإنساني الدولي. ولكن خلافا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، لا ينص القانون الإنساني الدولي تحديدا على أي مقتضيات، ولا يقدم تفاصيل محددة بخصوص الجوانب العملية المشمولة في الملاحقة القضائية للمشتبه فيهم، ومنها مثلاً الإجراءات أو الجزاءات اللازمة عقب الإدانة. وعلاوة على ذلك، فإن طول المدة الزمنية الإجمالي التي يُحتجز خلالها الشخص المعني، بما في ذلك بشأن الاشتباه في قيامه بأعمال إرهابية، يمكن أن يؤثر سلبيا على الحق في محاكمة عادلة، وبخاصة إذا لم تكن خاضعة لفترة مراجعة مناسبة من جانب سلطة قضائية لضمان ضرورتها المستمرة (تقرير الجمعية العامة A/63/223، الفقرتان 21 و22).
غير أن هناك تحديات مصاحبة هامة في كفالة ضمانات من قبيل الحقوق في المحاكمة العادلة وضمانات مراعاة الأصول الإجرائية القانونية الواجبة، في الممارسة العملية أثناء أحوال النـزاعات المسلحة. وقد قدم مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين بعض الملاحظات المثيرة للاهتمام في هذا الصدد. ولدى التشديد على أهمية مراعاة "مجموعة أساسية من الحقوق التي ينبغي ضمانها أيا كان الوضع السائد"، أكد مجددا المقرر الخاص على الدور الرئيسي المنوط بالقضاء في "تفسير القانون وصون الدستور دون الخضوع لأي تأثيرات أو ضغوط غير ملائمة"، مع الإشارة في الوقت نفسه إلى أن "الخطر الذي يهدد استقلال القضاء يرتفع أثناء النـزاعات المسلحة، مع وجود مخاطر داخلية وخارجية" (الجمعية العامة، تقرير مجلس حقوق الإنسان A/HRC/35/31، الفقرة 107). وعلاوة على ذلك، فإن المقرر الخاص، إذ سلم بالتحديات الخاصة التي تواجهها الحكومات في إقامة التوازن بين ضرورات الأمن الوطني واحتياجات الأفراد في أوضاع النـزاعات المسلحة، استنتج مع ذلك بأنه "حتى إن كان على القضاة إيلاء اعتبار أكبر للمصالح الحكومية التي قد تكون مشروعة في أوقات الحرب أو الصراعات الداخلية الحادة، لا بد للمحاكمة أن تقوم بضبط السلطة الحكومية بغية ضمان احترام سيادة القانون وحقوق المواطنين" (الجمعية العامة، تقرير مجلس حقوق الإنسان A/HRC/35/31، الفقرة 108).
|