هذه الوحدة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين
المسائل الرئيسية
يمكن شرح الأخلاقيات المهنية على أنها موضوع يتعامل مع المدونات المكتوبة وغيرها من معايير السلوك التي تنطبق على جميع المهن. ويوجد نهج آخر في تدريس الأخلاقيات المهنية لأنها تنطبق على مهنة معينة مثل، الأخلاقيات الطبية وأخلاقيات الأعمال والأخلاقيات القانونية وأخلاقيات البيولوجيا وأخلاقيات وسائل الإعلام. وتجمع الدورات الدراسية وبرامج الشهادات منهجين من حين إلى آخر من خلال تقديم أخلاقيات مهنية عامة في البداية، ومن ثم تطبيق هذه المبادئ على مهنة واحدة أو أكثر. وسوف تتناول هذه النميطة في المقام الأول الموضوع ككل، ثم تستعرض الأسئلة الرئيسية، مثل أخلاقيات الدور وتداخلها مع الأخلاقيات الشخصية، إلى جانب المدونات المهنية، وما إذا كانت التوجيهات التطلعية فعَّالة. حيث تثير جميع المهن قضايا أخلاقية، لذا تُبرَز الحاجة إلى الأخلاقيات المهنية وإلى التعبير المُتسق للنزاهة في كافة المهن. وبما أنَّ لدى العديد من المهن مجموعتهم الخاصة من الأخلاقيات المهنية، لذا تُخصَص الغرفة النظرية للمُحاضرين لمعالجة القضايا الناشئة عن مجموعة معينة من الأخلاقيات المهنية.
الأخلاقيات الشخصية والنظرية والمهنية
وبغية فهم موضوع الأخلاقيات المهنية، فإن الطلاب بحاجة إلى فهم الاختلاف بين الأخلاقيات الشخصية والنظرية والمهنية. وكما هو مُستخدم في هذه الوحدة التعليمية، يمكن استخدام وجهات النظر الثلاث المختلفة هذه التي أحياناً ما تتعارض مع بعضهما البعض لتحليل وحل المشكلات الأخلاقية المختلفة.
وتُعرِّف الوحدة التعليمية 1، النزاهة والأخلاق التابعة لمبادرة التعليم من أجل العدالة، الأخلاق على أنها "محاولة الوصول إلى درجة من الفهم حول طبيعة القيم الإنسانية، والكيفية التي يجب أن نعيش بها، وعن ما يُشكل السلوك الصحيح" (نورمان، 1998، ص 1). ويساعد مفهوم الأخلاق هذا في فهم فكرة الأخلاقيات الشخصية، التي تُشير إلى القيم والمعايير التي يحدد الأشخاص من خلالها الكيفية التي يتصرفون بها حياتهم اليومية. وعادة ما تكون الأخلاقيات الشخصية بمثابة مبادئ جذرية عن ما هو الصواب والخطأ، فهي تساعد على تعريف من نحن باعتبار أننا أفراد. وتنطبق الأخلاقيات الشخصية على مجموعة واسعة من القضايا، منها ماهية الأشياء التي نفعلها في حياتنا الخاصة، مثل عندما نتفاعل مع الأسرة والأصدقاء، وعن الكيفية التي نتعامل بها مع الأشخاص الذين نتفاعل معهم بشكل عام.
وسوف يستهل الطلاب الوحدة التعليمية بمجموعتهم الخاصة بهم من الأخلاقيات الشخصية. ومنعاً للبس، تُشكِل الأخلاقيات الشخصية القيم والمعايير التي تحدد الكيفية التي نتصرف بها، غير أنهم ليسوا مجرد ميول أو تفضيلات خاصة بنا حتى وإن كنا نشعر بقوة بالغة أن تلك التفضيلات صحيحة. ولغرض تشكيل موقف أخلاقي، يجب أن تعتمد الأخلاقيات الشخصية على معتقد قائماً على مبدأ، وليس مجرد رأي شخصي.
ويمكن أن يكون لأخلاقياتنا الشخصية عدة مصادر. إذ يتعلق بعض هذه المصادر بما قد نفكر فيه باعتبار أنها خبراتنا الشخصية، مثل تنشئة الأسرة والدين والثقافة والمعايير الاجتماعية والنظراء. ومن المُرجح أن تشتمل أخلاقيتنا الشخصية، مع ذلك، على جوانب من الأخلاقيات النظرية أيضاً. حيث تُعتبر الأخلاقيات النظرية بمثابة المذاهب التي وضعها الفلاسفة من أجل شرح كيفية اتخاذ قرارات أخلاقية صحيحة، مثل مذهب المنفعة وعلم الأخلاق وفضائل الأخلاق. وكما ذُكر في الوحدة التعليمية 1، يوضح مذهب المنفعة أنه ينبغي أن ترتكز القرارات الأخلاقية على تقييم العواقب المحتملة للفعل، وأنه ينبغي اتباع تلك الأفعال التي تجلب المنفعة العظمى. ويَفترض علم الأخلاق أنه يجب أن تعتمد القرارت على المبادئ والواجبات، وعليه، في هذا النهج، ينبغي عليك اتخاذ مواقف معينة نظراً لصحتها حتى وإن كان يترتب عليها عواقب سلبية. ويرى المناصرون للأخلاق الفاضلة أن الأخلاق هي دراسة الشخصية الجيدة، تلك الشخصية الجديرة بالثناء، بغض النظر عن عواقب أفعالنا (مذهب المنفعة) أو المبادئ الرئيسية التي ترشد ما نقوم بفعله (علم الأخلاق).
وتهتم الأخلاقيات المهنية، على النقيض، بوضع القيم والمبادئ والمعايير بشكل أساسي التي تكمن وراء مسؤوليات وسلوك الوظيفة (دافيس، 2003). وبغية فهم ما هو المقصود من المهنة، من المُجدي أن تقارنها بمصطلح الوظيفة. وأحياناً ما تُستخدم "الوظيفة" و"المهنة" بالتناوب، غير أنَّ لهما معاني مختلفة. حيث أنَّ الوظيفة هي العمل الذي يقوم به شخص ما لكسب قوت يومه، بينما الشخص المهني عادة ما يكون شحصاً مُدرباً على مستوى عالٍ، وهو العضو في كيان مهني ويجب عليه اجتياز الاختبارات التي تشهد بأنه يمكن له ممارسة المهنة. ويخضع الشخص المهني أيضاً لقواعد مهنية متخصصة. حيث أنَّ أي شخص يمكن أن يقدم عملاً صالحاً أو خدمة للعامة، غير أنَّ الشخص المهني عادة ما يرتبط بمجموعة من الأشخاص ممن يقدمون العمل الخِّير ذاته أو الخدمة ذاتها والذين ينظمون أنفسهم لتحقيق صالح مجتمعي بطريقة مقبولة أخلاقياً تحدد معايير الأداء. فعلى سبيل المثال، ينتظم أمناء المكتبة ضمن جماعة لتقديم معلومات للجمهور وينتظم الأطباء في نقابة لمعالجة الأشخاص المريضة (ويل ، 2008)..
ويمكننا استكشاف الاختلاف بين الأخلاقيات الشخصية والنظرية والمهنية بإيجاز من خلال استخدام مثال الكذب. وبشكل طبيعي، نعتقد أن الكذب خطأ، رغم أنَّ معظم الناس تكذب في بعض المواقف بطريقة تتوافق مع أخلاقياتهم الشخصية. وتتخذ نظريات الأخلاق المختلفة نهوج مختلفة في الكذب، حيث يسمح مثال الكذب للطلاب بوضع علم الأخلاق بعين الاعتبار، والموقف المعروف للعالم كانت (Kant) هو أنَّه لا ينبغي على الفرد الكذب حتى وإن كانت المخاطر وخيمة. وينبغي على الطلاب أيضاً النظر في ما تقوله الأخلاقيات المهنية عن الكذب؟ فهل ينبغي على الطبيب أن يكذب على المريض عند توصيف حالته إذا ما اعتقد الطبيب أنَّ ذلك في أقصى غايات مصلحة المريض.
إضافة إلى الاختلافات فيما بين الأخلاقيات الشخصية والنظرية والمهنية، يكمن اختلافاً آخر في هذا الجانب وهو الاختلاف فيما بين الأخلاقيات المهنية – القيم والمبادئ والمعايير المرتبطة بمهنة معينة – وأخلاقيات مكان العمل، التي تعتبر بمثابة القواعد التي تحكم السلوك في مكان العمل. فعلى سبيل المثال، يحق للموظفين أن يعملوا في مكان عمل آمن ولا يميز بين الموظفين كافة. وفي حال إذا ما أدرك المشرف أنَّ الموظفين يميزون موظف أو يضايقونه بناءً على عرق أو دين، يمكن للمشرف إثارة هذه القضية، وينفذ برنامج تدريبي عن الوعي ومتابعة سلوك الموظفين لضمان فعَّالية التدابير. ولهذا البرنامج دوره في تطوير بيئة العمل وزيادة احتمالية معاملة كافة الموظفين بطريقة أخلاقية، غير أنها ليست مقتصرة على مجموعة أخلاقيات لمهنة واحدة. ومن الأمثلة السلبية لأخلاقيات مكان العمل هي إذا ما قام المشرف بتسليم قسائم الخصم لصالون تجميل شريك المشرف إلى مجموعة صغيرة من الموظفين وفقاً لسلطة المشرف، مما يولد ضغوط على الموظفين لإرضاء العمل. ويمكن لهذا النشاط أن ينتهك أخلاقيات مكان العمل نظراً لأنَّ المشرف يستخدم سلطته على الموظفين لجلب منفعة مالية لشريك المشرف. ويحاكي كلا المثالان أخلاقيات مكان العمل، غير أنَّ صلتهم لا تقتصر على أي مجموعة مهنية خاصة، ولذلك لا يمكن تحليل هذه القضايا باعتبارها أحد قضايا الأخلاقيات المهنية.
وثمة اختلاف آخر في هذا الجانب، ألا وهو: الاختلاف بين الأخلاقيات المهنية والثقافة التنظيمية، أو الكيفية التي تؤثر بها ثقافة منظمة وهيكلها على اتخاذ قرار أخلاقي. وثمة تداخلات بين الأخلاقيات المهنية والثقافة التنظيمية، وخصيصاً في مناقشات الهياكل التنظيمية مثل الشركات. ويمكن للمُحاضرين الرجوع إلى صفحة الويب لمنظومات الأخلاق "الثقافة التنظيمية".
وينبغي العلم أيضاً أن بعض المهن تسترشد بالمعايير الأخلاقية التي تمتد لمهن متعددة. فعلى سبيل المثال، يخضع المهنيون الذين ينخرطون في البحث الطبي أو البيولوجي (أو غيرهما من جوانب البحث التي تتضمن الجوانب البشرية والجوانب الحيوانية) إلى كل من المعايير المهنية الأخلاقية الخاصة بهم بجانب مجموعة التوجيهات الأخلاقية التي تختص بتنفيذ البحث. وغالباَ ما يُشار إلى الأخير بأخلاقيات البحث، وهو محور منصات المراجعة المؤسسية أو لجان أخلاقيات البحث التي تمعن النظر في المشروعات البحثية وتعتمدها بناء على ما إذا كانت البحوث تلتزم بأخلاقيات البحث. ويمكن للمحاضرين استشارة المناهج الأساسية لأخلاقيات البيولوجيا لمنظمة اليونسكو وذلك فيما يتعلق بقضايا الأخلاقيات الطبية وأخلاقيات البحوث.
وتُجسد الأخلاقيات المهنية قيم وأهداف مهنة ما، مثل الشفافية والمساءلة، وتوفير الخدمات ذات الجودة العالية والخدمات الفعّالة والمسؤولية تجاه العملاء أو الزبائن. ويحمي الامتثال للأخلاقيات المهنية الفرد المهني بجانب شرف المهنة. ونظراً لأن الأخلاقيات المهنية تعكس قيم وأهداف المهنة، لذلك تختلف بعض جوانب الأخلاقيات المهنية اختلافاً كبيراً بين المهن. وبالإضافة إلى اشتمال الأهداف والقيم الخاصة بالمهنة، يمكن أيضاً أن تعكس الأخلاقيات المهنية جوانب من الأخلاقيات النظرية مثل مذهب المنفعة أو الفضائل التي ينبغي على المهنيين أن يسعوا جاهدين لاقتنائها.
ويجوز أن تتضمن الأخلاقيات المهنية معايير أداء خدمة مهنية ضرورية أيضاً في المصادر الملزمة قانونياً مثل القوانين واللوائح الإدارية. وعادة ما يكون لدى المهنيين خبرة بعيدة كل البعد عن فهم الفرد غير المهني. وهذا يعني أنَّ العميل لا يستطيع تقييم جودة عمل الفرد المهني بطريقة شاملة، فهم يضعون ثقتهم في الفرد المهني لأنه فرد من مجموعة مهنية تتقيد بمعايير معينة.
وعندما يواجه المهنيون مشكلات أخلاقية، ينبغي أن ترشدهم أخلاقياتهم المهنية. ومع أنَّه، ليس من الممكن إزالة الأخلاقيات الشخصية للفرد المهني، ينبغي أن يضع أي اتخاذ قرار أخلاقي في السياق المهني الأخلاقيات الشخصية بعين الاعتبار. وهذا لا يمثل مشكلة بشكل طبيعي ما لم تتعارض الأخلاقيات الشخصية والأخلاقيات المهنية مع بعضهما البعض، القضية التي تتناولها مناقشة أخلاقيات الدور في هذا الباب.
الصراعات المُحتملة بين أخلاقيات الدور والأخلاقيات الشخصية
من أكثر القضايا صعوبة والتي أثارتها الأخلاقيات المهنية هي التعارض فيما بين أخلاقيات الدور والأخلاقيات الشخصية. وأحياناً ما تُوصف هذه القضية على أنها صراع بين الأخلاقيات المهنية والأخلاق المشتركة، ويُقصد بالأخلاق المشتركة أن الأخلاق الشخصية يتشاركها العديد من الأشخاص. ويُشير "الدور" في أخلاقيات الدور إلى الدور الذي تلعبه المهنة في المجتمع. وتطلب المهن أن ينفذ الأشخاص عند أدائهم لمهنتهم ممارسات متخصصة من أجل الوصول إلى الأهداف المهنية، ولا تثير هذه التمارين بالضرورة قضايا أخلاقية. فعلى سبيل المثال، من الضروري على المهنيين أداء ما عليهم من واجبات وفقاً لمعيار معين، وهذا الالتزام غير مثير للجدل بالنسبة للعملاء.
وأحياناً، ومع ذلك، تسمح المهن أو تتطلب سلوكيات تتعارض مع الأخلاقيات الشخصية. وكثيراً ما تُقبل بعض السلوكيات التي تتعارض مع الأخلاقيات الشخصية على أساس أن لها ما يبررها فإن لم تكن من خلال فرد ما فيكون من خلال قبول المجتمع بشكل عام. حيث يخلق الحرب دمار وفزع يتعارض مع الأخلاقيات الشخصية، غير أنَّ العديد من الناس ترى أنَّ الجندي له تبريره في قتل أحد جنود الأعداء في معركة ما. وهذا مثال للتداخل فيما بين الأخلاقيات الشخصية والمهنية. وعلى النقيض، إذا ما تغيرت الحقائق وكان القتل ضرورياً لحماية الأفراد المحببة لدينا من اعتداء مميت، عندئذ ربما يُثار جدل حول إمكانية استخدام الأخلاقيات الشخصية لتبرير قتل شخص ما.
وثمة أمثلة عن التداخلات بين الأخلاقيات الشخصية والأخلاقيات المهنية التي من الصعب حلها أيضاً. فعلى سبيل المثال، يحافظ المحامون على سرية معلومات العميل بغرض تشجيع الموكلين على الثقة فيهم، والتي بدورها تُمكن المحامي من المساعدة في تسوية النزاع بطريقة صحيحة. ولكن، هل ينبغي على المحامي الاحتفاظ بسرية المعلومات التي يقدمها الموكِل، مثل الاعتراف بجريمة، إذا ما قد تتسبب في إدانة خاطئة لشخص آخر؟ وهل ينبغي على أخصائي العلاج الذي يحتفظ بسرية معلومات العميل بغرض تشجيعه على الكشف عن الأمور الأليمة بما يساعد العميل على الشعور بتحسن وراحة، وهل ستحتفظ بسرية التهديدات الخاصة بالعميل لشخص آخر؟ وراجع لوبان (2007) عدداً من الأمثلة شأنها شأن هذه، ولاحظ أنَّ العديد من المهن تحتفظ بشكل ما بالالتزامات السرية، التي بدورها تُثير أسئلة حول الصراعات المُحتملة بين أخلاقيات الدور والأخلاقيات الشخصية.
وعندما يصبح الطلاب مهنيين، كيف سيتعاملون مع هذه الأنواع من المآزق؟ وإذا ما وافق شخص ما على التمرس في مهنة معينة والتزم بقواعد الأخلاقيات المهنية، هل يستطيع أن يتخذ قراراً باتباع تلك القواعد نظراً لتعارضها مع الأخلاقيات الشخصية؟ حيث تُعتبر الحدة بين الأخلاقيات الشخصية والمهنية مأزقاً حقيقياً بلا إجابة واضحة لأنها تطرح سؤالاً عن أي مجموعة من القيم الأخلاقية (الشخصية أو المهنية) الأكثر أهمية. وحينما يُدرك سبب كلا المجموعتين من القيم، ربما يشعر الأشخاص الذين مرّوا بهذا المأزق بالتمسك بكلا المجموعتين من القيم. وتقترح كتابات لوبان عن أخلاقيات الدور والمحامين استراتيجية مكونة من أربع خطوات للمساعدة في حل أخلاقيات الدور.
استراتيجية لوبان المكونة من أربع خطوات لحل أسئلة أخلاقيات الدور ولغرض اتباع القاعدة المهنية التي تتعارض مع الأخلاقيات الشخصية، يجب أن يكون الفرد قادراً على:
|
وإذا ما أنتجت المؤسسة ما هو صالح بالدرجة الكافية، ونشأت كافة الترابطات بين كافة الخطوات، عندئذ ينبغي القيام بالفعل المهني حتى ولو تعارض مع الأخلاقيات الشخصية (لوبان، 2007، ص 490). ولم تكن هذه الاستراتيجية المكونة من أربع خطوات خوارزمية التي ما تفضي بشكل ثابت إلى الحل الصحيح، بل أنها إطار إرشادي يسمح للمهنيين وغيرهم بانتقاد الأدوار المهنية. وإذا ما ضَمنت المناسبة أن يحدد شخص ما ممن يُطبق الإطار أنه على الرغم من الاعتماد المنتشر على دور أو متطلب مهني ما، فإنه لا ينبغي اتباعه. وفيما يلي مثال أورده لوبان (2007، ص 129-133).
وافترض أنَّ لدى منظمة خيرية هدف الحصول على طعام للدول التي تعاني من مجاعة. ولذلك، تعين المنظمة أشخاصاً لتلبية أدوار مختلفة لخدمة توصيل الطعام، منها موظف وظيفته تأمين الشاحنات داخل دولة ما التي سوف تنقل الطعام من المخزن إلى الأشخاص في الدولة ممن يكونون بحاجة إليه. ويتحكم شخص لا ضمير له في الشاحنات المتاحة في عملية التوصيل هذه في الدولة، حيث يُتضح أنه منخرط في أنواع مختلفة من الأنشطة الغير القانونية مثل الابتزاز. إذ أنَّ الموظف متأكد تماماً أنَّ مالك الشاحنة سوف يستخدم المال الذي توفره المنظمة لخدمة توصيل الطعام لأغراض غير قانونية، ومثل هذه الأمور يُرجح أن تتسبب في تهديدات أو إصابات فعلية للأشخاص. غير أنَّ ثمة حاجة إلى الشاحنات من أجل خدمة التوصيل ولا توجد أي وسيلة نقل متاحة أخرى، لذلك، في حال عدم استخدام الموظف لشاحنات المالك، فلا يصل الطعام إلى الأفراد الذين يحتاجونه.
وبالتالي، يقع الموظف في مأزق لأنه وفقاً للأخلاقيات الشخصية، لا يود الموظف بشكل طبيعي
إعطاء الأعمال إلى مجرم أو أن يدعم حتى أنشطة إجرامية بصورة غير مباشرة. ويمكن للموظف، مع ذلك، حل المأزق من خلال تقييم الأفعال الجيدة التي تقوم بها المؤسسة والروابط بين المؤسسة وتصرفات الموظف. حيث يتطلب إعطاء الأعمال إلى مالك الشاحنة من خلال التزام الموظف بدوره (الحصول على شاحنات لتوصل الطعام)، الذي بدوره يعتبر أمراً ضرورياً من أجل أداء مهمة المؤسسة (توصيل الطعام إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليه)، الذي في نهاية المطاف يتطلبه الصالح الأخلاقي الإيجابي للمؤسسة، ألا وهو إنقاذ حياة الأشخاص الذين يموتون جوعاً. وبأخذ ما يلي كوحدة واحدة، يمكن للموظف تحديد أن متطلب الدور يفوق الأخلاقيات الشخصية لعدم إعطاء الأعمال إلى مجرم معروف.
ويمكن أن يتسبب التقييم المكون من أربع خطوات في كشف أنَّه لا ينبغي أداء المتطلب المهني في حال انعدم الارتباط بين إحدى الخطوات الأربع. فعلى سبيل المثال، إذا ما كانت الشاحنات الأخرى متاحة ولكن قد يبذل الموظف كماً صغيراً من الأعمال الإضافية للحصول عليها، عندئذ لا يوجد أي خطأ في اتباع الخطوات 1-3، غير أنَّ الموظف لا يمكنه تلبية الخطوة 4، مبرراً التصرف من خلال توضيح أنَّ التزامات الدور تتطلب ذلك. وفي تلك الحالة، لا تفوق الأخلاقيات المهنية الأخلاقيات الشخصية.
وتتشكل عملية تقييم الخطوات الأربع للمساعدة في حل المآزق، وبخاصة تلك الناشئة عن التضارب في الأخلاقيات الشخصية والأخلاقيات المهنية. ومع ذلك، على نحو ما هو وارد في بداية هذه الوحدة التعليمية، تعتبر الأخلاقيات الشخصية والنظرية والمهنية جميعهم وجهات نظر يمكن تناولها لحمل مشكلة أخلاقية. وبناء على ذلك، ربما من الممكن حل مأزق موظف مما ورد سالفاً باستخدام وجهة نظر أخلاقية مختلفة، على سبيل المثال، مذهب المنفعة أو كيفية تحقيق أعلى فائدة لأكبر عدد من الناس.
المدونات المهنية للأخلاق أو السلوك
وأحياناً ما يواجه موضوع المدونات المهنية معظم الطلاب عندما يبدأون الالتحاق بوظيفة. وعادة ما تتضمن المدونات المهنية قيم أساسية للمهنة شأنها شأن الأخلاقيات المهنية. ويمكن أن تجسد المدونات الأخلاقيات المهنية، غير أنهم يختلفون عن الأخلاقيات المهنية نظراً لأنها منظومات أكثر رسمية للائحة، فعادة ما تُكتب، وغالباً ما تروجها المنظمة المهنية. وتعتبر المدونات إحدى طرق التحدث بوضوح ومشاركة الأخلاقيات المهنية، غير أنَّ ثمة مدونات أخرى أيضاً، مثل القسم الذي يتعهد به بعض المهنيين عندما ينالون موافقة ممارسة مهنتهم. ويعتبر قسم أبقراط من الأمثلة المشهورة التي يتعهد بها الأطباء. ويعتبر قسم الأطباء من أحد الإصدارات الحديثة التي تعتمدها الرابطة الطبية العالمية.
و بالإضافة إلى تعزيز الأهداف الخاصة بالمهنة، تُستخدم المنظمات المدونات لزيادة النزاهة في كلا القطاعين العام والخاص. وتُعرَض المدونات أيضاً على مستوى العالم باعتبارها وسيلة لمنع الفساد. فعلى سبيل المثال، توصي اتفاقية الأمم المتحدة ضد الفساد بأن تتبنى الدول مدونات السلوك من أجل أداء "الوظائف العمومية على نحو صحيح ومشرف ولائق" (المادة 8) بالإضافة إلى الأداء "قيام المنشآت التجارية، وجميع المهن ذات الصلة، بأداء أنشطتها أداء صحيحا ومشرفا وسليما ومنع تضارب المصالح" (المادة 12).
ويمكن للمدونات المهنية المفصلة بدرجة عالية أن تطرح سؤالاً عن ما إذا كانت أحكامها تقيد بشكل غير عادل المهنيين في أدائهم اليومي. ويمكن أن تطرح أيضاً سؤالاً عن من لديه سلطة إخبار المهنيين، غالباً ما يكونون الأفراد المُدربة على مستوى عالٍ، وعن ما يفعلونه في تفاعلاتهم مع العملاء والجمهور. ويرى بعض الناس أنَّه لا يمكن تشريع الأخلاق، إذ أنَّ القرارات الأخلاقية لا يمكن فرضها من قوة خارجية بل يجب أن تنبع من الأخلاقيات الخاصة بالفرد (ليشتنبيرغ، 1996، ص 14-17). ويؤكد هذا الجدل على أنَّ مدونات الأخلاقيات المهنية لا تُقارن بماهية الأخلاق تماماً. وحددت لشتنبيرغ أنَّ مفهوم الأخلاق هذا يعتبر مرادفاً لفكرة الأخلاقيات الشخصية التي سلف مراجعتها آنفاً. حيث توافق على أنَّ ارتباط الأخلاق بالفعل المختار بدرجة مستقلة وحرة يعتبر صحيحاً إلى حد ما. وفي الوقت ذاته، يرى لشتنبيرغ أنَّ سمة قيمة في تزايد احتمالية أنَّ المهنيين سوف يتصرفون بطريقة صحيحة، وأنَّ هذا إحدى وظائف المدونة (ليشتنبيرغ، 1996، ص 15) . ويمكن للمهنيون أن يتعرضوا لضغط من آخرين كي يتصرفوا بطريقة غير صحيحة، ويمكن للمدونة أن تعطي سبباً لهم للتصرف بالطريقة التي يعلمون أنه ينبغي عليهم القيام بها. وتلاحظ لشتنبيرغ أنه أحياناً ما نكترث كثيراً بما إذا كان فرد ما يصل للقرار الصائب بناء على أخلاقياته أو أخلاقيتها الشخصية، وأحياناً ما نكترث أقل. وتحمل المسؤوليات المهنية، أي أن يصبح السلوك المهني أكثر أهمية، كما أنَّ الأخلاقيات الشخصية لم تكن الأمور الوحيدة التي ينبغي أن ترشد اتخاذ قرارتنا.
وثمة مشكلة محتملة أخرى مع المدونات المهنية ألا وهي أحياناً ما يبدو أنها تضع الأمور التي لا لبث فيه، مما يثير الاشتباه في أنَّها ممارسات على العلاقات العامة أكثر منها إرشاد حقيقي للسلوكيات المطلوبة. ويتطلب فهم هذا التعارض التمييز بين المدونات التطلعية (وأيضاً ما يُشار إليها بمودونات الأخلاق) التي تقدم أهدافاً للمهنيين بغرض تحقيقها، والأنشطة التأديبية (وأيضاً ما يُشار إليها بالمدونات القائمة على الامتثال أو مدونات السلوك) التي تقدم جزاءات من جراء التقاعس عن الوفاء بمتطلبات المدونة. ويمكن أن تكون التطلعات معاييرا للوفاء بها أو أمورا لتجنبها. ويمكن أن ترد مع مختلف درجات الدقة. ولا تُخاطَب بالضرورة السلوك الفعلي، ويمكن أن توصي بأن يسعى المهني جاهداً إلى تكوين اتجاهات معينة وشخصية ووضع نقاط معينة بعين الاعتبار أثناء عملية اتخاذ القرار. وينبغي إيضاح أنَّه مع ذلك، في العديد من الحالات سوف لا يكون الفرق بين المدونات التطلعية والمدونات التأديبية واضحاً بدرجة كبيرة. وبناء على ذلك، على سبيل المثال، ثمة عدد من مدونات الأخلاق المهنية التي بالرغم من أنها تطلعية في جزء ما يمكن أن تقدم أيضاً جزاءات في حالة سوء تصرف خطير. وفي هذه الحالات، سوف لا يضمن كل انتهاك جزاءات، غير أنَّ الانتهاكات الخطيرة سوف تضمن ذلك.
وعلى النقيض من ذلك، تفرض المدونات التأديبية جزاءات لعدم الامتثال بالمدونة المهنية. ويمكن أن تأخذ الجزاءات شكل الغرامات أو توبيخات رسمية أو غير رسمية أو في نهاية المطاف الإقالة من المجموعة المهنية أو الإزالة من الوضع المهني. وتفرض المدونات التأديبية جزاءات بغرض تحفيز المهنيين على اتباع القواعد في المدونة. وهذا ما يثير سؤالاً عن ما إذا كان لدى المدونات بدون الجزاءات أي تأثير على المهنيين. وللمساعدة على الإجابة عن هذا السؤال، يمكن أن ندون أنَّ المدونات المهنية بدون جزاءات تجسد خبرة العديد من الناس وتعكسها مع مرور الوقت، وبذلك فهي ترشد السلوك بطرق خارج ما يمكن أن يتوقعه الفرد المهني. وفي بعض الحالات، تُعلِم المدونات المهنيين سلوكيات جديدة التي، كغير المهنيين، لا يعرفون عنها شيئاً. فالمدونات بلا جزاءات ربما لا تؤثر على نية المهنيين في التصرف بطريقة خاطئة، غير أنَّ بعض الناس ينتهكون القانون بالرغم من أنَّ هناك جزاءات في غاية الشدة، ولذلك، تكون المدونات التأديبية أيضاً غير فعَّالة في تلك الظروف. وبافتراض أنَّ المهنيين يريدون تنفيذ واجباتهم المهنية بطريقة صحيحة، فإن المدونة المهنية دون الجزاءات تساعدهم على القيام بذلك.
قدَّمت لشتنبيرغ مثالاً مختلفاً يوضح الكيفية التي يمكن للمدونات بلا جزاءات أن تفضي إلى آثار سلبية على السلوك الظاهر المهني الخاطئ، وفي مثل هذه الحالات، يُسترشد المهني الراغب في التفكير في ما نتج عن أفعاله من عواقب بطريقة معينة (ليشتنبيرغ، 1996، ص 18-19). وربما لا يرى أساتذة الجامعة، ممن ينخرطون في علاقات غير ملائمة مع طلابهم، سلوكهم على أنه انتهاك لأخلاقياتهم المهنية. وفي نهاية المطاف، يمكن للطلاب أن يختاروا ما يفعلونه. وربما يشعر أستاذة الجامعة بعدم الراحة بما يفعلونه بعض الشيء، غير أنهم ربما لم يفهموا جميع عواقب سلوكهم. وتزيد المدونة المهنية التي تمنع أنواع معينة من العلاقات بين أساتذة الجامعة والطلاب كحد أدنى من احتمالية تفكير المهنيين في سلوكهم الذي تتناوله المدونة. حيث يمكن للمدونات أن تجعل المهنيين يرون ما يفعلونه في ضوء جديد وبنظرة جديدة.
ويكمن سبب آخر وراء الحصول على مدونات مهنية، سواء ما إذا كانت تتضمن جزاءات أم لا، ألا وهو قيمتها الرمزية، في أنها تُعرب بشكل عام عن الأفكار أو القيم (ليشتنبيرغ، 1996، ص 23). وتعكس القيمة الرمزية واقع أنَّها الشيء الوحيد للشخص الذي يجعله يسلك سلوكاً معيناً بشكل خاص، كما تُعد حافزا آخر لكي يدافع بشكل عام عن ذلك المنصب، فعلى سبيل المثال، إذا ما منعت مدونة مهنية تزويد الخدمات الواردة أدناه بمعيار معين، عندئذ يستفيد العملاء الأفراد من ذلك المعيار، غير أنَّ المجتمع ككل يستفيد نظراً لأنَّ المعيار يعلن التزام المهنة بمعيار معين.
ويسمح فحص المدونات المهنية الفعلية الطلاب بمناقشة القضايا الناشئة عن المدونات في سياق حياتنا الواقعية، وتقترح هذه الوحدة التعليمية أن يفحص الطالب مدونتين مهنيتين. وتكون مدونات العينة المنصوص عليها في الوحدة التعليمية لعلماء النفس، أحدهما من آسيا والآخر من أفريقيا الجنوبية، وهي تعرض تفصيلاً كافياً للمقارنة. وينبغي على المحاضرين أن يشعروا بمطلق الحرية في استبدال مدونات العينة هذه بمدونات عينة أخرى، وخصيصاً إذا ما تدرب الطلاب لمهنة معينة. فعلى سبيل المثال، في حالة طلاب القانون، يمكن أن يشير المُحاضرون إلى أمثلة عن مدونات الأخلاق القانونية أو القضائية لشرح القضايا التي نوقشت في الوحدة التعليمية. ويمكن أيضاً للمحاضرين مقارنة المدونات المهنية من مختلف المهن، غير أنَّ هذا النوع من المقارنة ربما يكون ملائماً لطلاب أكثر تقدماً أو كجزء من حلقة دراسية قائمة بذاتها، حيث أن الطلاب في مرحلة مبكرة من الدراسة ربما يكون لديهم صعوبة في مقارنة مدونات مختلف المهن مع مراعات الأهداف المتباينة التي تتبناها المهن.
ومن المهم التشديد على الطلاب بأنَّ مدونات الأخلاق لا تضمن بنفسها السلوك الأخلاقي. حيث أنه من غير الواقعي أن تفترض أنَّه سوف يعرف كل مهني في كافة الأوقات التطبيق الصحيح للمدونات ذات الصلة الخاصة به وأن ينفذ الفعل الأخلاقي. وبناء على ذلك، ومن أجل تعزيز الامتثال لمدونات الأخلاق، من المهم تشجيع الكفاءة الأخلاقية بالتوازي مع تعليم المهنيين عن مدونة الأخلاق ذات الصلة الخاصة بهم. وتُشير الكفاءة الأخلاقية إلى قدرة المهنيين على إدراك أنهم يواجهون أزمة أخلاقية تنادي بتطبيق مدونة الأخلاق أو السعي وراء مشورة خارجية.
المراجع
- Davis, Michael (2003). Language of professional ethics .
- Lichtenberg, Judith (1996). What are codes of ethics for? Codes of Ethics and the Professions. Margaret Coady and Sidney Bloch, eds. Victoria: Melbourne University Press.
- Luban, David (1988). Lawyers and Justice: An Ethical Study. Princeton, NJ: Princeton University Press.
- Luban, David (2007). Professional ethics. A Companion to Applied Ethics. R.G. Frey and Christopher Heath Wellman, eds. Malden, MA: Wiley-Blackwell.
- Norman, Richard (1998). The Moral Philosophers. Oxford: Oxford University Press.
- Weil, Vivian (2008). Professional ethics .
الصفحة التالية
العودة إلى الأعلى